بقلم: فيصل السلوم
شكلت نتائج قياس الحرارة النوعية للجوامد في بدايات القرن التاسع عشر لغزًا حير الفيزيائيين،
فقد وجدوا أنها تقريبًا متساوية لأغلب الجوامد بقيمة C=3k_B , حيث k_B هو ثابت بولتزمان.
تسمى هذه المعادلة بقانون دولونج-بيتيت Dulong-Petit law وكان معروفًا منذ عام 1819.
على الرغم من أنه ليس دقيقًا جدًا، لكنه يعطي تقريبًا جيدًا عند درجة حرارة الغرفة (ستيفن سايمون، ملاحظات محاضرات فيزياء الحالة الصلبة، 2012).
يُعرِّف الفيزيائيون الحرارة النوعية لذرةٍ ما:
بأنها مقدار الطاقة الحرارية لكل درجة حرارة، أو بشكل أدق؛ حيث إننا نهمل تغير حجم المادة الصلبة أثناء تسخينها، فإن الحرارة النوعية عند حجم ثابت تعرف بالمعادلة:
C_v=dE/dT
حيث E هي الطاقة الحرارية وT هي درجة الحرارة.
( دانييل سشرويدر، مقدمة في الفيزياء الحرارية، 2000).
وفي سبيل تفسير هذه النتائج، شكَّل العلماء نماذجَ لمحاكاة السلوك الحراري للجوامد، وأول خطوة معتبرة في هذا المجال كانت نموذج بولتزمان.
نموذج بولتزمان:
قام بولتزمان في عام 1896 ببناء نموذج يتوافق مع هذا القانون بشكل جيد.
-حيث افترض أن الذرة الواقعة في المادة الصلبة تكون مرتبطة بست ذرات، بواقع ذرتين لكل محور، ومَثَّل التفاعل بين هذه الذرة وجاراتها بالتفاعل بين النابض والكتلة المعلقة، بمعنى أن الذرة في المادة الصلبة تمتلك ثلاث حركات اهتزازية مما يعطيها ست درجات من الحرية، واستنادًا إلى نظرية التجزؤ المتساويtheorem equipartition فإن طاقة الذرة الحرارية ستكون E=f/2 k_B T=3k_B T=C_v T .( دانييل سشرويدر، مقدمة في الفيزياء الحرارية، 2000)
وهذا كان المطلوب!
لكن التجارب والقياسات لم تلبث إلا وكشفت عن نتائج صادمة، يوضحها الرسم البياني التالي:
نلاحظ أنه كما نعرف سابقًا، عند درجات الحرارة العالية مثل “درجة حرارة الغرفة” فإن الحرارة النوعية تمثل تقريبًا بقانون دولونج-بيتيت، لكن المشكلة الآن عند درجات الحرارة المنخفضة!
لا يستطيع نموذج بولتزمان أن يفسر لماذا ينهار قانون دولونج-بيتيت عند درجات الحرارة المنخفضة، وهذا دفع العلماء إلى البحث عن نموذج يعطي تفسيرًا لهذه النتائج..
نموذج آينتشاين:
لاحظ العلماء أنه في حالة درجات الحرارة المنخفضة،
تتناسب الحرارة النوعية معT^3, وكلما قلّت درجة الحرارة قلّت معها الحرارة النوعية,
حتى توقع العلماء أن الحرارة النوعية ستصل إلى الصفر عند الصفر المطلق.
في عام 1907، فكر آينشتاين في:
-لماذا لا يصمد هذا القانون عند درجات الحرارة المنخفضة؟
فقاده تفكيره إلى استيعاب أنه لا بد من أخذ نتائج ميكانيكا الكم بعين الاعتبار.
-ما قام به آينشتاين كان مشابهًا لما قام به بولتزمان، فقد افترض أن كل ذرة في المادة الصلبة تقع في بئر تناسقي harmonic well بسبب تفاعلها مع جاراتها، وأضاف أن كل الآبار التناسقية لها تردد ω يسمى بـ” تردد آينشتاين “, لاحظ أن هذه الكمية مفترضة لتكون ثابتة للمادة الواحدة، ويتم قياسها عمليًا لمختلف الجوامد.
بدأ آينشتاين حساباته بمعادلة الطاقة للمهتز التوافقي الكمي في بُعد واحد:
وكان هدفه أن يحسب متوسط الطاقة لذرة واحدة في بعد واحد عند درجة حرارة ما.
توصل آينشتاين لمتوسط الطاقة باستخدام ما يسمى “بدالة التجزئة”
partition function , واستخدم المعادلة المذكورة في بداية هذا المقال لحساب الحرارة النوعية عند حجم ثابت.
ما توصل إليه آينشتاين كان دالة معقدة نسبيا للحرارة النوعية للذرة في المادة الصلبة:
حيث α=ћω/k_B , نلاحظ أن هذه النتيجة تحقق قانون دولونج-بيتيت في درجات الحرارة العالية, كما أنها توافق التوقع بأنه عندما تؤول درجة الحرارة إلى الصفر المطلق فإن الحرارة النوعية ستؤول إلى الصفر.(ستيفن سايمون، ملاحظات محاضرات فيزياء الحالة الصلبة، 2012)
وُجد أن تردد آينشتاين منخفض لمعظم الجوامد، لكن الألماس مثلًا تجد أن تردد آينشتاين له عالٍ، وهذا يرجع لكون الروابط بين ذرات الكربون في الألماس قوية، وكون ذرات الكربون منخفضة الكتلة نسبيا، وهذا يعطي لمحة عن التردد ω~√(k/m)، ولهذا ينحرف الألماس عن قانون دولونج-بيتيت عند درجة حرارة الغرفة بشكل واضح، مما يعني أن عبارة “درجة حرارة عالية” تعتمد على تردد آينشتاين لهذه المادة.
مع أن نموذج آينشتاين لا يتوافق مع التناسب مع مكعب درجة الحرارة، مازال يعتبر خطوة مهمة وناجحة نسبيا في موضوع الخواص الحرارية للجوامد، خصوصًا أنه أكد وجوب استخدام نتائج الفيزياء الحديثة لحلحلة هذه الخواص.
الرسم البياني التالي يبين مدى توافق نموذج آينشتاين مع القياسات العملية للألماس، بحيث إن محور x هو النسبة بينћω و k_B T، ومحور y يعبر عن C بوحدة cal/(K mol).

استمر العلماء بتكوين نماذج أكثر تفصيلاً وتعقيدًا لوصف الذرات وخواصها الحرارية في الجوامد، وقد اكتشفوا ظواهر أخرى مرتبطة بالخواص المغناطيسية للمعادن مما دفعهم لوضع نماذج أخرى أيضًا، ولم تزل مسيرة تطور فهمنا للمواد الصلبة مستمرة، وتشكلت في فرع جديد في الفيزياء الحديثة بمسمى “فيزياء الحالة الصلبة”، وهذا الفرع يعتبر من أهم العلوم التي كونت عالمنا الحاضر من نواحي التقنية المختلفة.
تدقيق علمي: عمار محسن
تدقيق لغوي: عِتاب النوتكية، عمر ياسين، سمية مؤذنة.
مراجعة: حمود السعدي_ أروى الزهراني.
المصادر:
(Daniel V. Schroeder, An Introduction To Thermal Physics, 2000 )
( Steven H. Simon, Lecture Notes for Solid State Physics, 2012 )
https://www-thphys.physics.ox.ac.uk/people/SteveSimon/condmat2012/LectureNotes2012.pdf
( Sergey Frolov, Lecture series: Introduction to Solid State Physics, 2015 )
https://www.youtube.com/watch?v=RImqF8z91fU&list=PLtTPtV8SRcxi91n9Mni2xcQX4KhjX91xp